" كنت أودُّ كتابة مقدمة عن ( علم الترقيم ) ، ومن واضعه ، ومتى نشأ ، ومراحله تطوره ونضوجه ، لكن أعتذر لضيق الوقت ، فالأمر يحتاج لرجوع إلى المصادر "
بعد دراستك لهذا الموضوع سيكون بمقدورك - إن شاء الله - الآتي :
• تعريف أهمية الترقيم في أغراض شتى .
• استيعاب مواضع استعمال علامات الترقيم .
• تعريف علامات الترقيم الرئيسية في الكتابة العربية .
• توظيف علامات الترقيم في الكتابة ؛ توظيفـا صحيحـا .
الترقيم في الكتابة العربية هو : وضع رموز اصطلاحية معينة بين الكلمات أو الجمل أثناء الكتابة ؛ لتعيين مواقع الفصل والوقف والابتداء ، وأنواع النبرات الصوتية ، والأغراض الكلامية ، تيسيراً لعملية الإفهام من جانب الكاتب أثناء الكتابة ، وعملية الفهم على القارئ أثناء القراءة.
علامات الترقيم الرئيسية في الكتابة العربية ، هي :
• الفاصلة ( ، )
• الفاصلة المنقوطة ( ؛ )
• النقطة ( . )
• النقطتان ( : )
• الشَّرطة ( - )
• علامة الاستفهام ( ؟ )
• علامة التأثر ( ! )
• علامة التنصيص ( " " )
• علامة الحذف ( ... )
• القوسان ( ( ) )
تنقسم هذه العلامات بدورها إلى ثلاثة أنواع في سياق وظيفتها في الكتابة ، هي :
• علامات الوقف : ( . ، ؛ ، ، ) ؛ تُمكِّن القارئ من الوقوف عندها وقفاً تاماً ، أو متوسطاً، أو قصيراً، والتزود بالراحة ، أو بالنفس الضروري لمواصلة عملية القراءة.
• علامات النبرات الصوتية : ( : ، ... ، ؟ ، ! ) ؛ وهي علامات وقف أيضا، لكنها – إضافة إلى الوقف – تتمتع بنبرات صوتية خاصة ، وانفعالات نفسية معينة أثناء القراءة .
• علامات الحصر : ( " " ، ( ) ) ؛ وهي تُسْهِم (1) في تنظيم الكلام المكتوب ، وتساعد على فهمه .
تتحدد أهمية الترقيم في أغراض كثيرة ، منها : تحديد مواضع الوقف ، والفصل بين أجزاء الكلام ، والإشارة إلى انفعال الكاتب في سياق الاستفهام ، والتأثر، وبيان ما يلجأ إليه الكاتب من تفصيلٍ ، أو توضيحٍ أو تمثيلٍ ؛ وكذلك بيان وجوه العلاقات بين الجمل ؛ فيساعد إدراك هذه العلاقات على فهم المعاني التي قد تضطرب في حال أن يُساء استعمال إحدى هذه العلامات ؛ كأن تُوضع في غير موضعها ، أو أن تَحِلّ محل غيرها .... وبذلك يكون النص الخالي من علامات الترقيم نصا متراكبا ، عسير الفهم ، يحتاج إلى زمن أطول لقراءته .
ويمكن إجمال أهمية علامات الترقيم في النقاط التالية :
1- أنها تُسهل الفهم على القارئ ، وتُجوِّد إدراكه للمعاني ، وتُفسِّر المقاصد ، وتوضح التراكيب أثناء القراءة .
يتضح هذا من خلال المثال التالي :
ما أحسن الرجل .
ما أحسن الرجل !
ما أحسن الرجل ؟
فهذه الجمل الثلاث مختلفة في المعنى ، لا متكررة ، على الرغم من أنها بَدَت في الظاهر جملة واحدة مكررة ، ومُكونة من الكلمات الثلاث نفسها ؛ فالنقطة جَعلت الجملة الأولى جملة خبرية منفية بـ " ما " النافية (2)، وعلامة التأثر جعلت الجملة الثانية جملة تعجبية و " ما " تعجبية بمعنى " شيء " (3)، وعلامة الاستفهام جعلت الجملة الثالثة جملة استفهامية ، و" ما " اسم استفهام (4).
2. أنها تعرفنا بمواقع فصل الجمل ، وتقسيم العبارات ، والوقوف على المواضع التي يجب السكوت عندها .... فتُحسِّن الإلقاء ، وتُجوِّده .
3. أنها تُسهِّل القراءة ؛ فتُجنب القارئ هَدْر الوقت بين تردد النظر، وبين اشتغال الذهن في فهم عبارات كان من أيسر الأمور إدراك معانيها لو كانت تقاسيمها ، وأجزاؤها ، مفصولة ، أو موصولة بعلامات تُبيّنُ أغراضها ، وتوضح مراميها .
فالزمن الذي يحتاجه القارئ لفهم النص المرقوم أقصر بكثير من الزمن الذي تتطلبه قراءة النص غير المرقوم.
4. أنها في تصور الكاتب ، مثل الحركات اليدوية ، والانفعالات النفسية ، والنبرات الصوتية التي يستخدمها المتحدث أثناء كلامه ؛ ليضيف إليه دقة التعبير وصدق الدلالة .
فهي تشبه الحركات الجسمية ، والنبرات الصوتية التي تُوجه دلالة الخطاب الشفوي ، كما أنها تشبه إشارات المرور في تنظيم حركة السير ، واللوحات الإرشادية المكتوبة على الطرقات ، التي لولاها لضلَّ كثير من سالكي تلك الطرق .
5. أنها تنظم الموضوع ، وتُجمِّل لغته ، وتُحسن عرضه ؛ فيظهر في جمالية خاصة تريح القرَّاء ، وتدفعهم إلى مواصلة القراءة والاستمتاع بها .
هذا الدرس يتناول الكلام عن مواضع استعمال علامات الترقيم ، وعليكم أن تركزوا على هذا الدرس جيداً ، وذلك لأن كثيراً من الناس يخطئون في استعمال علامات الترقيم بشكل صحيح .
الآن ، هيا بنا لنتمتع مع علامات الترقيم !
نبدأ بعلامة ( ، ) :
تُسمى " الفصلة "، و" الشَّولة " ، وتوضع لفصل بعض أجزاء الكلام عن بعض ، فيقف القارئ عندها وقفة خفيفة جدا.
مواضع استعمالها:
أ- بين الجمل التي يتكون من مجموعها كلام تام الفائدة في معنى معين ، مثل :
• إن محمداً طالبٌ مُهذبٌ ، لا يؤذي أحداً ، ولا يكذب في كلامه ، ولا يقصِّر في الحفاظ على الصلاة .
• الخطبة كلام يُلقى على جمهورٍ من الناس ، بهدف الإقناع والتاثر، وحثِّ الناس على الالتزام بقضية معينة .
ب- بين الجمل القصيرة المعطوفة المستقلة في معانيها ، مثل :
• الصدق فضيلة ، والكذب رذيلة ، والحسد مَنقَصة وعجز .
• الله واحدٌ أحد ، لم يَلد ، ولم يُولد .
ج- بين الجمل الصُّغرى ، أو أشباه الجمل ، بدلاً من حرف العطف ، مثل :
• سافر أخي ، ابتعدت به السفينة ، حزنت كثيراً.
• عند النهر، فوق الرَّابية ، تحت سماء صافية ، انتشر قطيع الغنم .
د- ببن أنواع الشيء أو أقسامه ، مثل :
• المخلوقات الأرضية أربعة أنواع رئيسية : الإنسان ، والحيوان ، والنبات ، والجماد .
• فصول السنة أربعة : الربيع ، والصيف ، والخريف ، والشتاء.
هـ- بين الكلمات المعطوفة المرتبطة بكلمات أخرى تجعلها شبيهة بالجمل في طولها ، مثل :
• الطالب المجتهد في دروسه ، والعامل المخلص في عمله ، والتاجر الصدوق في بيعه ، والأديب الصادق في أدبه .... هم الأركان التي ينهض عليها صرح الأمة .
• كل فرد في الأمة سهم من سهامها : الفلاح في حقله ، والعامل في مصنعه ، والطالب في معهده ، والموظف في ديوانه ....
ز- بعد لفظ المنادى المتصل ، مثل :
• يا أحمد ، اتقَّ الله حيثما كنت ، واعلم أنّ الله يراك .
• أي بُني ، اعلم أنَّ الجد باب النجاح .
ح- بين الشرط وجوابه إذا كانت جملة الشرط طويلة ، مثل :
• إذا كنتَ في كل الأمور تعاتب أصدقاءك ، فلن يبقى لك صديق .
• إن استطعت ألآ يَسْبقك إلى الله أحد ، فافعل .
ط - بين القسم وجوابه ، مثل :
• والله الذي خلق السموات والأرض ، لأجتهدن .
• ورب السموات والأرض وما بينهما ، لأصْدُقنّ فيما أقول .
ي - قبل الجملة الحالية ، مثل :
• المؤمنون يُستشهدون من أجل إعلاء كلمة الله ، وهم فرحون .
• عدتُّ إلى البيت ، وأنا مسرور.
ك - قبل الجملة الوصفية ، مثل :
• قرأت كتاباً ، موضوعه لم يعجبني .
• زارنا رجل ، ثيابه رَثَّة .
ل- قبل الجملة أو شبه الجملة شبه الاعتراضية وبعدها ، مثل :
• أكلتُ ، عند السابعة صباحاً ، تفاحتين .
• تـنـزهتُ ، وأنا فرح ، بين الأشجار .
م- بعد كلمة ، أوعبارة تُمهد لجملة رئيسية ، مثل :
• أخيراً ، وصل المُحاضر الذي انتظره الطلاب .
• عند الخامسة صباحًا ، أُذِّنَ لصلاة الفجر .
• طبعاً ، إذا أسندتَّ الأمور إلى غير أصحابها ، هلكت الأمة.
ن- بين جملتين تامتين، تربط بينهما " لكن " ، إذا كانت الجملة الأولى قصيرة ، مثل :
• تبغضني ، لكن أحبك .
س- بين الأجزاء المتشابهة في الجملة ، كالأسماء والأفعال والصفات ، مثل :
• دائما العالِم يكتب ، يقرأ، يختبر، يراقب ، يقارن ، دُونما راحة .
ع- بعد حروف الجواب (وهي : نعم، لا، كلا، بلى) ، مثل :
• هل أجبت عن أسئلة التقويم الذاتي كلها؟
• نعم ، إلا السؤال الأخير .
• وهل كان سبب ذلك صعوبته ؟
• لا ، ولكن انتابني شيء من شرود الذهن .
ف- قبل كلمتي " مثل " أو " نحو" اللتين تسبقان المثال على قاعدةٍ ما، مثل :
• تتكون الجملة الفعلية أساساً من فعل واسم ، مثل : قام محمد.
• الجمله الفعلية ، نحو : كتب المعلم جملة مفيدة .
ص- بعد كلمات التعجب في بداية الجملة ، مثل :
• عجباً ، كيف تأخرت ؟!
• آه ، ما أمرَّ الفِراق !
ق- قبل ألفاظ البدل وبعدها ، مثل :
• إن هذا العصر، عصر الآلة ، سَهَّلت فيه المواصلات .
ر- بين الكلمات المتضادة ، مثل :
• أنت ، لا عبد الله ، من تكلم .
ش- بين عنوان الكتاب ، ودار النشر، ومكانه ، وتاريخه ؛ وذلك عند تدوين الهوامش ، أو قائمة المصادر والمراجع ، مثل :
• عمر أوكان : دلائل الإملاء وأسرار الترقيم ، دار أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 1999 م.
يُتبع إن شاء الله ....
طبقا لقانون - وحقوق - التأليف ... فيعتبر هذا الموضوع لراقمه !
لكن فكرة الموضوع ، وأساسه ليس لي .
-------------
(1) يُخطئ من يقول : " تُساهم " ، أو " أنا ساهمتُ في كذا ... "، بل الصواب : " أسهمتُ في كذا... ".
(2) أي : هذا الرجل ما أحسن في فعل كذا .
(3) أي : الذي فعله هذا الرجل شيء جميل يستحق التعجب منه والثناء عليه .
(4) أي : ما أحسن شيء في هذا الرجل ؟ فهل هو خُلقه ، أم مراقبته لربه ، أم حُسنُ جواره ....
المفضلات