المفاجأة العجيبة في قصة قطز رحمه الله
أنه لم يبق في كرسي الحكم إلا أحد عشر شهراً وسبعة عشر يوماً فقط!! لم يُكمل السنة!!
كل هذا التاريخ المجيد، والإعداد المتقن، والتربية العالية، والانتصار المذهل، والنتائج الهائلة، والآثار العظيمة.. كل هذا في أقل من سنة!!
لقد مات قطز رحمه الله بعد انتصار عين جالوت بخمسين يوماً فقط..
ومع أنه حكم هذه الفترة البسيطة فقط.. إلا أنه كان من أعظم رجال الأرض..
إن قيمة الرجال وعظمتهم لا تقاس بطول العمر، ولا بكثرة المال، ولا بأبهة السلطان.. إنما تقاس بالأعمال الخالدة التي تغيّر من وجه التاريخ، ومن جغرافية العالم، وهى في ذات الوقت تثقل في ميزان الله عز وجل..
مَن قطز إذا لم يتمسك بشرع الله، وينتصر في عين جالوت بفضل تمسكه بهذا الشرع، والتزامه في السير في طريق الله عز وجل؟
من قطز بغير هذا الطريق؟
لا شك أن التاريخ كان سيُغفل اسمه كما أغفل أسماء الكثيرين الذين كانوا كغثاء السيل، بل كانوا وبالاً على شعوبهم وأوطانهم مع حكمهم الفترات الطويلة والأعمار المديدة.. لا شك أن حفر الاسم في سجل التاريخ يحتاج إلى رجال عظماء..
وليس بالضرورة أن يحتاج إلى وقت طويل..
الناس تعتقد أن التغيير لابد أن يأخذ فترات طويلة جداً.. ولذلك يُحبطون.. والحق غير ذلك.. التغيير لا يعتمد على الزمن.. إنما يعتمد على نوعية الرجال المغَيِّرين.. إن وُجد هؤلاء العظماء فالنصر القريب والتغيير ممكن.. بل أكيد.. إن شاء الله.
وإن لم يُوجد أمثال هؤلاء.. فقد تمر على الأمة عشرات السنين وهى لا تتقدم خطوة بل تتأخر الخطوات..
لقد كان الشيخ العز بن عبد السلام يخشى على الأمة بعد أن فقدت قطز رحمه الله بهذه السرعة.. كان يخشى أن يضيع النصر الكبير، وتنهار الأمة من جديد.. لقد قال بعد موت قطز وهو يبكى بشدة: "رحم الله شبابه، لو عاش طويلاً لجدد للإسلام شبابه"
ولكن قطز رحمه الله جدد فعلاً للإسلام شبابه، مع أنه لم يعش طويلاً..
لقد ظلت دولة المماليك قرابة ثلاثة قرون تذود عن حمى المسلمين، وترفع راية الإسلام.. لقد وضع قطز رحمه الله الأساس المتين.. وعليه سيبني الآخرون بناءً راسخاً.. وبغير الأساس لا يرتفع البناء..
يقول الشيخ العز بن عبد السلام رحمه الله: "ما ولي أمر المسلمين بعد عمر بن عبد العزيز رحمه الله من يعادل قطز رحمه الله صلاحاً وعدلاً"
ونقول: كيف صنع قطز رحمه الله هذا المجد؟!
بل نقول: كيف صُنع "قطز" رحمه الله؟!
لقد صُنع قطز رحمه الله بكتاب الله القرآن، وبسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم..
أعظم معجزات هذا الدين هي "صناعة الرجال"!!
مَنْ عمر بغير الإسلام؟
مَنْ خالد بغير الإسلام؟
مَنْ طارق بن زياد بغير الإسلام؟
مَنْ قطز بغير الإسلام؟
والكتاب بين أيدينا، وكذلك سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم..
حفظهما الله لنا.. وسيظلان كذلك إلى يوم القيامة..
ولن تضل الأمة أبداً ما دامت تتمسك بهما..
روى الإمام مالك في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتابَ الله وسنةَ نبيه"
ومَعين الأمة لا ينضب أبداً..
والله الذي خلق للأمة خالداً والقعقاع وطارقاً وصلاحاً وقطز سيخلق لها دوماً رجالاً يغيّرون من واقعها، ويجددون لها دينها وشبابها، ويبعثون في نفوس أبنائها الأمل، ويقودونها إلى صدارة الأمم وقيادة العالم.. بل يقودونها إلى جنات النعيم..
ففي الإسلام - والله - عزّ الدنيا، وعزّ الآخرة..
المفضلات